صليت التراويح بالأمس خلف إمامٍ أوتي مزمارًا من مزامير داود
فسبحان من حباه!
ومن فضله أعطاه!
لقد زاده الله في الحلق حلاوةً وعذوبةً، حتى لكأنه الصورة الناطقة لقوله سبحانه:
﴿يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُ﴾ وقد جاء في تفسيره عند ابن كثير:
“وقالَ الزُّهْرِيُّ، وابْنُ جُرَيْج فِي قَوْلِهِ: ﴿يَزِيدُ فِي الخَلْقِ ما يَشاءُ﴾ يَعْنِي: حُسْنَ الصَّوْتِ. رَواهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ البُخارِيُّ فِي الأدَبِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.
وقُرِئَ فِي الشّاذِّ: «يَزِيدُ فِي الحَلْقِ»، بِالحاءِ المُهْمَلَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.”
فكلما زدته استماعًا زادك حسنًا وحلاوة
يزيدُك صوتُهُ حُسْنًا*** إذا ما زدتَهُ سمْعا
وأنا امرؤٌ طروب.. يأسرني جمال الصوت، ويشدُّني التغنِّي بالقرآن، ما لم يخالف قواعد التجويد، أو يجُرْ على صحة الأداء، وفق التوجيه النبوي الكريم: «لَيْسَ مِنّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ».
ولكن الحلو ما يكملش كما يقول المثل المصري!
و”لا تَعْدَمُ الحَسْناءُ ذامًا” كما يقول المثل العربي [والذامُ: العيب]
فقد استحال إقبالي ضَجَرًا وتململا.. وتبدَّل سروري ضيقًا وشُقَّة.. حين أطال الإمام في الدعاء وأسهب، وأعاد وكرر، وارتفع صوت المصلين بالتأمين، وكأنَّ تجاوبهم معه أغراه بالمزيد من التطويل، فنسي أو تناسى هديَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا، فما ورد عنه – فيما أعلم – أنه أطال في الدعاء، كما يطيل كثير من الأئمة اليوم! واقرأ إن شئت دعاء القنوت المأثور تجدْه لا يتجاوز الدقيقة أو الدقيقتين..
إن تجاوب جمهور المصلين مع الدعاء الطويل لا يعني أبدا شرعيته أو مشروعيته أو استحبابه! فليس العامَّة هم المعيار، بل سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم هي المعيار وهي الحَكَم.. ومنها يؤخذ الحُكْم، لا من عوامِّ الناس وأهوائهم. والله تعالى أعلم.
وعلى من يرفع صوته بالتأمين أن يذكر قول رَسُول اللَّهِ ﷺ: «أيُّها النّاسُ ارْبَعُوا عَلى أنْفُسِكُمْ، فَإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولا غائِبًا، ولَكِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا».
جاء في البيان والتبيُّن للجاحظ:
- وأخبرنا بإسناد له، أن أناسا قالوا لابن عمر: ادعُ الله لنا بدعوات. فقال: «اللهم ارحمْنا وعافِنا وارزقْنا». فقالوا: لو زدتَنا يا أبا عبد الرحمن.
قال: نعوذ بالله من الإسهاب.
1 comment
جزاك الله خيرًا وبارك الله فيكم